سورة النساء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُم} يعني: الرجل والمرأة، والهاء راجعة إلى الفاحشة، قرأ ابن كثير {اللذان}، و{اللذين}، و{هاتان}، و{هذان} مشددة النون للتأكيد، ووافقه أهل البصرة في {فذانك} والآخرون بالتخفيف، قال أبو عبيد: خص أبو عمرو {فذانك} بالتشديد لقلة الحروف في الاسم {فَآذُوهُمَا} قال عطاء وقتادة: فعيروهما باللسان: أَمَا خِفْتَ الله؟ أما استحييت من الله حيث زنيت؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: سُبُّوهما واشتموهما، قال ابن عباس: هو باللسان واليد يُؤذى بالتعيير وضرب النعال.
فإن قيل: ذكر الحبس في الآية الأولى وذكر في هذه الآية الإيذاء، فكيف وجه الجمع؟. قيل: الآية الأولى في النساء وهذه في الرجال، وهو قول مجاهد، وقيل: الآية الأولى في الثيب وهذه في البكر.
{فَإِنْ تَابَا} من الفاحشة {وَأَصْلَحَا} العمل فيما بعد، {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} فلا تُؤْذُوهما، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.
وهذا كله كان قبل نزول الحدود، فنُسخت بالجلد والرجم، فالجلد في القرآن قال الله تعالى: {الزانيةُ والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائةَ جلدة} [النور- 2] والرجم في السنة. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض يا رسول الله بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم، قال: تكلم، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديتُ منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب سنة، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده لأقضيَنَّ بينكما بكتاب الله، أما غنمُك وجاريَتك فرَدٌّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرَّبَه عاما، وأمر أُنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها» فاعترفت، فرجمها.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: «أن الله تعالى بعث محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله تعالى آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، والرجم في كتاب الله تعالى حقُّ على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف».
وجملة حد الزنا: أن الزاني إذا كان محصنا- وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف: العقل والبلوغ والحرية والإصابة بالنكاح الصحيح- فحدُّه الرجم، مسلمًا كان أو ذميًا، وهو المراد من الثيب المذكور في الحديث، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الإسلام من شرائط الإحصان، ولا يرجم الذمي، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديين زنيا، وكانا قد أحصنا.
وإن كان الزاني غير محصن بأن لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نظر: إن كان غير بالغ أو كان مجنونًا فلا حدَّ عليه، وإن كان حُرًّا عاقلا بالغًا، غير أنه لم يُصب بنكاح صحيح فعليه جلد مائة وتغريب عام، وإن كان عبدا فعليه جلد خمسين، وفي تغريبه قولان، إن قلنا يُغَرَّب فيه قولان، أصحهما نصف سنة، كما يجلد خمسين على نصف حدِّ الحُرِّ.


قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} قال الحسن: يعني التوبة التي يقبلها، فيكون على بمعنى عند، وقيل: من الله، {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} قال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عُصي به الله فهو جهالة عمدًا كان أو لم يكن، وكل من عَصَى الله فهو جاهل. وقال مجاهد: المراد من الآية: العمد، قال الكلبي: لم يجهل أنه ذنب لكنه جهل عقوبته، وقيل: معنى الجهالة: اختيارُهم اللذة الفانية على اللذة الباقية.
{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} قيل: معناه قبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها، وقال السُّدي والكلبي: القريب: أن يتوب في صحته قبل مرض موته، وقال عكرمة: قبل الموت، وقال الضحاك: قبل معاينة ملك الموت.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، أنا علي بن الجعد، أنا ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرْغر».
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرّياني، أنا حميد بن زنجويه، أنا أبو الأسود، أنا ابن لهيعة، عن درَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الشيطان قال: وعزتِك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني».
قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.


{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني: المعاصي {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} ووقع في النزع، {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} وهي حالة السَّوق حين تُساق روحه، لا يُقبل من كافر إيمانٌ ولا من عاص توبة، قال الله تعالى: {فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر- 85]، ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق. {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا} أي: هيأنا وأعددنا، {لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوَبه على تلك المرأة وعلى خبائها، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارّها لتفتدي منه بما ورثته من الميت، أو تموت هي فيرثها، فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوَبه فهي أحق بنفسها، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل بن حيان: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها، ثم تركها ولم ينفق عليها، يضارّها لتفتدي منه، فأتت كبيشةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي ووَرِثَ نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلّي سبيلي، فقال: «اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمرُ الله»، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
قرأ حمزة والكسائي: كُرها بضم الكاف، هاهنا وفي التوبة وقرأ الباقون بالفتح، قال الكسائي: هما لغتان. قال الفراء: الكَره بالفتح ما أُكره عليه، وبالضم ما كان من قِبَل نفسه من المشقة.
{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي: لا تمنعوهنّ من الأزواج لتضجر فتفتدي ببعض مالها، قيل: هذا خطاب لأولياء الميت، والصحيح أنه خطاب للأزواج.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارّها لتفتدي وتردّ إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك، ثم قال: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فحينئذ يحل لكم إضرارهنّ ليفتدين منكم.
واختلفوا في الفاحشة، قال ابن مسعود وقتادة: هي النشوز، وقال بعضهم وهو قول الحسن: هي الزنا، يعني: المرأة إذا نشزت، أو زنت حلَّ للزوج أن يسألها الخلع، وقال عطاء: كان الرجل إذا أصابت امرأتُه فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ الله تعالى ذلك بالحدود.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر {مبيَّنة} و{مبيَّنات} بفتح الياء، ووافق أهل المدينة والبصرة في {مبينات} والباقون بكسرها.
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال الحسن: رجع إلى أول الكلام، يعني {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والمعاشرة بالمعروف: هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة، وقيل: هو أن يتصنَّع لها كما تتصنَّع له، {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قيل: هو ولد صالح، أو يَعْطِفَه الله عليها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8